إنتفاضة الاكراد 1880
جليلي جليل
رابطة كاوا – دار الكاتب
يعاني الشعب الكردي هن الاضطهاد والتخلف، والنظام الاجتماعي الاستغلالي، فلقد تعرض في القرن المنصرم لتعسف وطغيان السلطات العثمانية. والشاهنشاهية، التي ارتكبت بحقه ابشع الجرائم، وحرمته من ابسط الحقوق القومية والانسانية. وتدور ابحاث هذا الكتاب، الذي نقدمه لقراء العربية، حول تلك المعاناة القاسية، مقدمة الاحداث التاريخية التي جرت في تلك الفترة، وتحديدا في عام ١٨٨٠، بالوثائق والارقام، والادلة الثابتة علميا من مصادر مختلفة، ودوائر عالمية كانت مهتمة آنذاك بمجريات الامور في كردستان. كما يتضمن الكتاب فصولا عديدة حول انتفاضة الاكراد ضد الظلم، والقهر، ومحاولاتهم المتكررة على طريق الخلاص الوطني، وانتزاع الحرية والاستقلال من الملغاة العثمانيين، والغرس. ويرد تفاصيل وافية عن انتفاضة الشيخ عبيد الله، التي كانت حتى صدور هذا الكتاب نصلا منسيا من فصول تاريخ كفاح الشعب الكردي.
فهرس
٥ / تقديم
٧ / مقدمة
١٥ / وضع الاكراد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر
٢٦ / الاكراد والحرب الروسية – التركية عامي ١٨٧٧ - ١٨٧٨
٣٩ / مقدمات انتفاضة الاكراد عام ١٨٨٠
٤٦ / انتفاضة عثمان بك وحسين بك في الجزيرة عام ١٨٧٨
٤٩ / الاضطرابات في منطقة هاكاري
٦٧ / انتفاضة الاكراد بقيادة الشيخ عبيد الله. في ايران عام ١٨٨٠
٩١ / ملحق
تقديم
يعاني الشعب الكردي هن الاضطهاد والتخلف، والنظام الاجتماعي الاستغلالي، فلقد تعرض في القرن المنصرم لتعسف وطغيان السلطات العثمانية. والشاهنشاهية، التي ارتكبت بحقه ابشع الجرائم، وحرمته من ابسط الحقوق القومية والانسانية. وتدور ابحاث هذا الكتاب، الذي نقدمه لقراء العربية، حول تلك المعاناة القاسية، مقدمة الاحداث التاريخية التي جرت في تلك الفترة، وتحديدا في عام ١٨٨٠، بالوثائق والارقام، والادلة الثابتة علميا من مصادر مختلفة، ودوائر عالمية كانت مهتمة آنذاك بمجريات الامور في كردستان. كما يتضمن الكتاب فصولا عديدة حول انتفاضة الاكراد ضد الظلم، والقهر، ومحاولاتهم المتكررة على طريق الخلاص الوطني، وانتزاع الحرية والاستقلال من الملغاة العثمانيين، والغرس. ويرد تفاصيل وافية عن انتفاضة الشيخ عبيد الله، التي كانت حتى صدور هذا الكتاب نصلا منسيا من فصول تاريخ كفاح الشعب الكردي، حيث اعتبرها بعض المؤرخين حركة دينية - اقطاعية لا تمت بصلة الى الدعوة التحررية القومية. ولكن الكتاب، وبما يتضمنه من موضوعات واقعية وادلة علمية دامغة، سلط الضوء الكاشف على حقيقة تلك الانتفاضة، واهدافها، وطبيعتها، وعلاقتها بالوضع الدولي آنذاك، بالإضافة الى العلاقات الحميمة بين قادة الانتفاضة وممثلي الطوائف المسيحية في كردستان وخاصة الأرمن. حيث يبين مدى العلاقات الحسنة، والتضامن اللامحدود بين الشعبين الكردي والأرمني ضد الاعداء المستغلين.
قاد تلك الانتفاضة المسلحة الشخصية الكردية الاجتماعية البارزة الشيخ عبيد الله. وكان من اهدافها ازالة الظلم والاضطهاد وتأسيس كردستان مستقلة. وبالرغم من شمول الانتفاضة كردستان تركيا وكردستان ايران، وبالرغم من مشاركة الجماهير الواسعة فيها واهراق الدماء الغزيرة، الا انها لاقت الفشل أمام تحالف الشاه مع العثمانيين وتآمر الدول الاستعمارية، مع خيانة بعض الزعماء الاكراد.
لقد بذل الدكتور جليلي جليل جهودا كبيرة، وجمع ما يمكن من الوثائق، والمراسلات، من ارشيف الدولة السوفييتية، وبحث مطولا في المصادر التاريخية المختلفة التي تناولت المسألة الكردية في القرون الماضية وتوصل بعد كل هذه الجهود الى تأليف هذا الكتاب. الذي يعتبر بحق مرجعا تاريخيا دقيقاً لكل من يرغب في الاطلاع على تاريخ حركة التحرر الوطني الكردية. ان نتاج المؤلف هذا ليس الوحيد، فهو ورغم شبابه ولج العديد من الموضوعات التاريخية، والسياسية، والأدبية، والفولكلورية التي تتعلق جميعها بالشعب الكردي وله عدة مؤلفات باللغتين الروسية، والكردية مع مساهمته في العديد من المجلات والصحف السوفياتية. وليس بأمر مفاجئ ان يتميز جليلي جليل بذلك العطاء الوافر، وهو الذي ينحدر من عائلة معروفة بالعلم والثقافة، ولكل فرد منها مؤلفات وأبحاث في الميادين العلمية المختلفة.
ان هذا الكتاب الذي يقدم تجربة دامية في تاريخ الحركة الكردية، وفي مرحلة معينة، ليطرح مجددا أمام الوطنيين والثوريين من جميع الشعوب والقوميات مسؤولية البحث والمراجعة في التاريخ القديم، حتى تتم الاستفادة منه ويعيد مجددا امام انظار المناضلين الطليعيين الاسباب الكامنة وراء فشل الانتفاضات العديدة، رغم البطولات والشجاعة النادرة التي تميز بها ابناء الشعب الكردي، وتأتي في مقدمة تلك الاسباب الظروف الموضوعية من دولية، ومحليه، بالإضافة الى كون الحركة آنذاك بقيادة الطبقات والفئات البيروقراطية - الاقطاعية، ورغم اشتداد التناقض آنذاك بين هذه الطبقات من جهة والسلطات العثمانية والفارسية من جهة اخرى، ورغم محاولاتها المتكررة في الاستقلال عنها، الا انها لم تكن مؤهلة للاستمرارية وتحقيق مطامح وآمال، لجماهير الواسعة. وبناء الدولة القومية الموحدة.
ان تنامي القوى الوطنية الثورية الكردية، وتصاعد نضالات الجماهير الواسعة المترافق مع التطور الهائل لفصائل حركة الثورة المحلية والعالمية، فتح آفاقا جديدة ومشرقة لبروز وتطور قوى اليسار الكردي ا لملتزم بالنهج الماركسي - اللينيني والمتحالف موضوعيا مع سائر الفصائل الثورية في حركة التحرر الوطني لشعوب المنطقة، وخاصة الشعوب العربية، والايرانية والتركية، والتضامن مع قوى الثورة العالمية وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الاخرى. ان تلك الافاق مع ما تتطلب من كفاح وتضحيات تبشر بتحقيق الانتصار الكامل على طريق تثبيت الحقوق القومية، وتقرير المصير، والاتحاد الاختياري بين جميع شعوب المنطقة، والقضاء على جميع اشكال الاستغلال والتمييز، والتضامن الاممي في وجه الامبريالية، والصهيونية والرجعية.
صلاح بدرالدين
مقدمة
ان المساحة التي تشغلها كردستان مقسمة بين ايران، العراق، تركيا وسوربا. وكانت ثرواتها الطبيعية الوفيرة، وخصوصاً موقعها الجغرافي. محط انظار الدول الاوروبية منذ زمن بعيد.
ان حكومات تركيا وايران والعراق وسوريا لا تعترف بوحدة الاراضي المشتركة للأكراد فحسب، دل انها تنكر حتى وجود الاكراد من الناحية العرقية ولا تحترم حقوقهم القومية. وقد رافق تجاهل الحقوق القومية للأكراد تشويه فظ لتاريخهم وثقافتهم. وكما هو معروف فان العلماء البورجوازيين واعلامهم يصفون نضال الاكراد من أجل الاستقلال بأنه "تمرد رجعي" و"حركة قطاع طرق".
ونظراً لحيوية المسألة الكردية فان دراسة تاريخ النضال السياسي للأكراد من أجل الاستقلال والوحدة القومية والديمقراطية تكتسب أهمية كبيرة. وتساعد هذه الدراسات وبشكل صحيح على فهم وتقدير طبيعة نضال الاكراد في المرحلة الراهنة.
ان دراسة العلم البورجوازي في الغرب لتاريخ وثقافة الاكراد تقع الى يومنا هذا تحت تأثير السياسة الاستعمارية للدول الامبريالية. فقد نظر المستعمرون الى هذه المسألة بقدر ما هو ضروري لهم، فدرسوا على نحو أفضل طبيعة الاكراد، والمساحة التي يشغلونها وذلك بهدف اخضاعهم وفي الوقت ذاته توسيع نفوذهم السياسي والاقتصادي في الشرق الاوسط. لقد كان القرن التاسع عشر في تاريخ الشعب الكردي مرحلة هامة ومعقدة لوقوع الاكراد ولأول مرة تحت تأثير المصالح السياسية للإمبراطورية البريطانية وروسيا القيصرية في الشرق الاوسط. وجرت تحولات عميقة في الحياة الاقتصادية الاجتماعية للأكراد بعد دخول وتطور العلاقات الرأسمالية والنقدية، وأخيراً فان انتفاضات الاقطاعيين الاكراد التي جرت هنا وهناك ضد المستبدين الاتراك والايرانيين بدأت تصب في مجرى الانتفاضة الشاملة للشعب بأسره، والتي كانت منها أهداف محددة : التحرر من النير الاجنبي وتشكيل حكومة مستقلة.
ان هذا الكتاب مكرس لإحدى اهم المراحل في تاريخ نضال الاكراد التحرري: انتفاضة الشيخ عبيد الله عام ١٨٨٠، والتي كانت بمثابة ذروة الحركة الكردية في القرن التاسع عشر. شملت الانتفاضة مناطق واسعة، واتسعت بالقوة، وناضل المشاركون فيها من أجل الاستقلال، ضد الظلم الاجتماعي وطغيان السلطات التركية والايرانية. ولم يبعث خطر انتشار الانتفاضة القلق لدى حكومة ايران وتركيا فحسب، وانما لدى حكومات بريطانيا، روسيا، النمسا، ودول اخرى. وفي المؤلفات التاريخية (سواء أكانت البورجوازية او السوفياتية) لم تنشر بحوث خاصة حول هذا الموضوع. بالإضافة الى ان الدراسات المكرسة لبحث تاريخ الاكراد في القرن التاسع عشر عامة وقليلة ولا تعطي تحليلا مفصلا لهذه الانتفاضة.
في هذا الكتاب الذي هو بين ايديكم يحاول المؤلف عرض مسيرة انتفاضة الاكراد في اعوام ١٨٧٩ — ١٨٨٢. ويكشف النقاب عن الاسباب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لها. كما انه يتطرق الى العلاقات الكردية الارمنية والتي بدونها لا يمكن فهم سياسة تركبا وموقفها من الاكراد.
لقد اعتمد المؤلف بشكل أساسي في كتابه هذا على المواد المطبوعة والملخصة في أرشيف السياسة الخارجية الروسية، وعلى الوثائق الصادرة في "الكتب الزرقاء" الانكليزية.
تحتوي الوثائق المأخوذة من أرشيف السياسة الخارجية الروسية على أخبار وتقارير الدبلوماسيين الروس. والوكلاء العسكريين في أرضروم، وان، دياربكر، تبريز، طهران واماكن اخرى. اما المعلومات التي حصل عليها - الممثلون الديبلوماسيون والوكلاء العسكريون عن الاكراد في تركيا وايران فكان هدفها الاساسي توضيح موقف السكان المحليين من السلطات الرسمية، وتحديد الوضع السياسي في كردستان وتأثير روسيا على الاكراد. ان الوثائق التي استخدمتها محفوظة في مراكز "ارشيف القسطنطينية" و"الارشيف الرئيسي"، و"رسائل الى بلاد الفرس". وتحتل مراسلات الدبلوماسيين وتقارير شوشليفسكي الحاكم العام للقنصلية في ازربيجان (في مدينة تبريز) الى السفير في طهران، ومراسلات ي. أ. زينوفيف الوزير الروسي المفوض. اهمية كبيرة ضمن هذه المراد. وكذلك المراسلات الكثيرة لنائب القنصل في وان ك. ب. كامساركان ومراسلات مدبر القنصلية الروسية في ترابزون ن. أ. ناليتوف الى السفير في استانبول ي. ب. ذوفيكوف (١) كما تملك قيمة كبيرة مراسلات نائب القنصل الروسي م. ياكيماتسكي في دياربكر.
ولتوضيح الموضوع فان الوثائق الموجودة في الارشيف الحربي -التاريخي للحكومة المركزية في اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية لها اهميتها ايضا في هذا الجال.
وتلفت الانتباه الوثائق الموجودة في الارشيفات الانكليزية والمطبوعة في سلسلة الكتب الزرقاء. التي تتألف من عدد كبير من المجلدات والمجمعة حسب البلدان. توجد بحوث تتحدث عن شؤون كردستان السياسية والاجتماعية والاقتصادية وعن انتفاضات الاكراد وفي الوثائق المختصة بتركيا وايران. لقد تم تنوير المواضيع الموجودة في الكتب الزرقاء. عن عمد لذا فلا يمكن ان نجد فيها انعكاس الاحداث التي جرت بشكل كامل وموضوعي. هذا مع العلم ان البرلمان الانكليزي قد عرض معلومات كثيرة بهذا الشأن. ولقد فضح كارل ماركس في أعماله النزعة المتطرفة أثناء اختيار المواضيع والتشويه الواضح في "الكتب الزرقاء"٠
ان اكثرية "الكتب الزرقاء" تحتوي على مراسلات الدوبلوماسيين الانكليز وتقاريرهم واخبارهم. وبمقدورنا توضيح أعمال الممثلين الانكليز في كردستان وتبيان دورهم. في تشكيل الحملات التأديبية من القوات التركية والايرانية. بفضل المواد الموجودة في "الكتب الزرقاء" (رقم ٥ "تركيا").
كما قدمت الصحف خدمة لا يستهان بها في دراسة الاحداث اثناء نشوب انتفاضة الشيخ عبيد الله. استخدم مؤلف الكتاب في موضوعه الصحيفتين الانكليزيتين "تايمس" و "ديلي نيوز" والجريدة التركية "وقت" والارمنيتين "مشالك" و "أردزغانك" والروسية "غولوس"، "قفقاس"، "فيديموستي"، وغيرها من الصحف التي صدرت خلال عام ١٨٨٠. الا ان كثيرا من الأخبار التي نشرتها الصحف عن الانتفاضة كانت متناقضة للغاية. والجدير بالذكر أن أكثرية الصحف الصادرة آنذاك كانت تقف موقفاً عدائياً من انتفاضة الاكراد، مصورة اياها بــ "حركة قطاع طرق" منظمة من قبل الزعماء الاكراد.
وتكتسب مقالة ك. ب. كامساركان عن "دخول الشيخ عبيد الله في بلاد الفرس عام ١٨٨٠" والمنشورة عام ١٨٨٤ اهمية كبيرة في دراسة انتفاضة الشيخ عبيد الله عام ١٨٨٠. لقد كان كامساركان نائب القنصل الروسي في وان اثناء قيام الانتفاضة فاستطاع ان يراقب عن كثب الاستعدادات التي اتخذت للقيام بها وكذلك مجرى احداث الانتفاضة ذاتها. ان مراسلات كامساركان تعتبر من المواد الهامة الموجودة في ارشيف السياسة الخارجية لروسيا. وخلافا لمراسلاته، فهو يعرض في مقالته حقائق كثيرة ومفصلة، حسب تسلسل الاحداث فيها. (٢) وقد استخدم اثناء تأليف هذا الكتاب بعض المعلومات جودة في مجموعة "وضع الارمن في تركيا قبل دخول الدول العظمى عام ١٨٩٠،. (٣) وبالرغم من ان هذه المقالات مكرسة بشكل رئيسي للقضية الارمنية، ومسير الارمن التراجيدي في الامبراطورية العثمانية، الا انه توجد مواد لا بأس بها تسلط الضوء على اوضاع السكان الاكراد.
لقد كتب المبشرون الامريكيون والاوربيون عن الاكراد ايضا، فالأبحاث التي كتبوها في هذا المجال ليست قليلة، اذ الى جانب نشاطهم الدعائي بين السكان الاصليين وفي مقدمتهم المسيحيين، درسوا حياة وطبيعة وثقافة شعوب الشرق ومن ضمنها الاكراد. ان التراث الذي خلفه المبشرون كان على شكل مذكرات ويوميات. فيوميات المبشرين ي. بيشوب (٤) وس٠غ. ويلسون (٥) واللذين عاشا خمسة عشر عاما في ايران، تعتبر يوميات مثيرة في هذا المجال. نفد عرض المؤلفان بموضوعية وشمول مواقف عبيد الله تجاه السكان المسيحيين وممثلي الدول الاوروبية. وللفصل الرابع من يوميات ويلسون الذي يتحدث عن انتفاضة الاكراد في ايران بقيادة عبيد الله عام ١٨٨. قيمة كبيرة.
وبمناسبة مرور خمسة وعشرين عاما على قيام انتفاضة عبيد الله، كتب الارمني باغداساريان عن انتفاضة عبيد الله، مقالة نشرها عام ١٩٠٥، تمتاز بالموضوعية ونشر حقائق كثيرة. فقد كان المؤلف نفسه شاهد عيان للاحداث، حيث كان موجودا آنذاك في كردستان بقصد التجارة. ان هذه الوقائع تدل على الموقف الودي للشيخ عبيد الله نحو السكان المسيحيين. ومن الكتب التي صدرت باللغة الارمنية، تجدر الاشارة الى كتاب "ترسيم" لمؤلفه انترانيك والذي يعتبر حصيلة ملاحظاته الشخصية اثناء تجواله في جبال ديرسيم، وللقسم الاخير من الكتاب اهميته الخاصة، حيث ينقل المؤلف احاديث شهود عيان لانتفاضة الديرسيميين ضد الاتراك واقوال المشاركين فيها. بالإضافة الى انه يحدثنا عن معلومات قيمة تتعلق بالموضوع الذي نحن بصدده.
لقد اعارت المراجع التاريخية السوفياتية والاجنبية اهتماما قليلا للحياة السياسية للأكراد. ففيها تنعدم تقريبا الدراسات عن نضال الاكراد التحرري في القرن التاسع عشر. ويفسر كثير من المؤرخين هذا النقص، لعدم وجود مصادر عن الاكراد، سوى بعض الفقرات القليلة التي يمكن رؤيتها في بعض الكتب عن تاريخ الشرق الاوسط. ومن المكن الحصول في بعض المؤلفات المكرمة لتاريخ الاكراد، وارضهم، وأصلهم وغيرها من المسائل الاخرى على سطور شحيحة تتحدث عن نضالهم التحرري. وتوجد عدة صفحات وفترات تتحدث عن انتفاضات الاكراد في القرن التاسع عشر في كتب الباحثين الروس أ. كراتسوف (٦) وف. ف. مينورسكي (٧) اللذين قدرا بشكل صحيح انتفاضات الاكراد. فمثلا مينورسكي في كتابه "الاكراد" يسمي للمرة الاولى انتفاضة يزدينشير "الحركة الشعبية الحقيقية" (٨) وبمثل هذه الروح يقدر مينورسكي انتفاضة الشيخ عبيد الله عام ١٨٨٠. ان الكثير من المواقف التي تحدث عنها المؤلفان في بحوثهما عن قضية النضال التحرري للشعب الكردي لم تشخ ولم تفقد محتواها الى يومنا هذا.
وتسترعي دراسة ب. ي. افريانوف "الاكراد في الحروب الروسية مع تركيا وايران خلال القرن التاسع عشر" انتباها خاصا فبامكاننا ان نجد في بحثه هذا اجوبة كثيرة على الاسئلة التي تخصنا.
لقد أدركت القيادة الروسية الدور السياسي الهام، الذي يلعبه الاكراد في الشرق الاوسط، ونزوعهم لتأييد مواقف الروس ضد الاتراك والايرانيين. لذا رأت من الضروري تقييم التجربة التي اكتسبها الروس خلال القرن التاسع عشر. ولهذا الغرض كلف اللواء بليافسكي فاند الركن لمقاطعة القفقاس، النقيب افريانوف في قيادة الركن بوضع دراسة تاريخية عن الاكراد يقضي بموجبها توضيح ما يلي : اولا، اشتراك الاكراد في الحروب الروسية ضد ايران وتركيا خلال القرن التاسع عشر. ثانيا، تبيان اوضاع الاكراد السياسية المعاصرة. ثالثا، تحديد آفاق موقفهم حال قيام اصطدامات بين روسيا وتركيا وايران. ومن الاجدى جدا الا نضيع سدى التجارب المشار اليها والمستوحاة من مواقفنا تجاه الاكراد، والعمل ضدهم خلال قرن كامل. بل ان نستطيع تقديم خدمة مفيدة لنشطاء المستقبل والمشاركين قي حروبنا القادمة في آسيا الصغرى (٩) ان وضع المسألة بهذا الشكل، ترك آثاره على بعض جوانب هذا الكتاب. فقلد اعار افريانوف اهتماما خاصا للأحداث السياسية الجارية، اثناء الحروب الروسية ضد تركيا وايران ومشاركة الاكراد في هذه الحروب. وكذلك انتفاضتهم ضد الاتراك والايرانيين. ولم يتطرق المؤلف في بحثه الى القضايا الاقتصادية والاجتماعية على الاطلاق.
وفي الوقت ذاته لا توجد دراسة مثل هذه، عن وضع الاكراد السياسي ان ما جاء في كتاب افريانوف له اهميته. وبصرف النظر عن بعض الاستنتاجات الخاصة التي توصل اليها، فان الكتاب يحتفظ بقيمته كمحاولة أولى من نوعها لعرض الحياة السياسية للأكراد، ونضالهم التحرري في القرن التاسع عشر، وذلك بالاعتماد على المراجع.
ومن بين دراسات المؤلفين الاجانب تجب الاشارة الى أعمال ليفون ميسروب نيكيتين (١٠) ي. ب. سون (١١) وغيرهما وتحتوي مقالة ف. نيكيتين "قصة الاكراد عن انفسهم" والتي استخدمت فيها المخطوطة الكردية عن الدين وتاريخ الاكراد على وقائع ومواد مفيدة للغاية. (١٢)
ويجدر الانتباه الى كتاب "الاكراد وكردستان" لمؤلفه ارشاك سافراستيان والذي يتصف بعرض الاحداث، وفيه يعطي الكاتب تحليلا عميقا لنضال الاكراد التحرري (١٣).
كما يجدر ذكر اعمال الباحثين الشرقيين الذين كتبوا عن الأكراد ومنهم عبد العزيز يامولكي (١٤) وشاكر خصباك (١٥)، بله ج. شيركو (١٦) و علاء الدين سجادي (١٧)، حمزة عبد الله (١٨)، امين زكي (١٩)، صديق الدملوجي (٢٠).
لقد بحث شاكر خصباك وبله ج شيركوه في دراستهما بشكل خاص نضال الاكراد خلال القرن العشرين. اما كتاب "انتفاضات الاكراد" للعالم علاء الدين سجادي، بصرف النظر عن طبيعته التصويرية (باللغة الكردية) فهو يعتبر محاولة اولى لتصنيف مراحل نضال الاكراد التحرريِ، ويبحث فيه بصورة رئيسية الاحداث التي جرت في القرن العشرين.
وأما كتاب محمد أمين زكي "مشاهير الكرد وكردستان" (٢١) الذي جاء نتيجة بحوث قام بها المؤلف لسنوات عديدة، فيحتوي على دراسة هامة لتاريخ الشعب الكردي. ان كتابه هذا مثل بقية مؤلفاته الاخرى يعد من الدراسات الاولى المنشورة في الواقع حول تاريخ الاكراد باللغتين العربية والكردية.
بينما أعار امين زكي انتباهه لتصوير الاحداث بطريقة خاصة، اذ لم يبين دور الجماهير الكردية، وقد كان يقع في مركز اهتمامات امين زكي بعض الشخصيات او الزعماء، وليس الشعب.
وفي المصادر التاريخية السوفياتية، فان انتفاضة ١٨٨. تبحث للمرة الاولى في كتاب ن. أ. خالفين "النضال من اجل كردستان" (٢٢) الذي اعتمد في بحثه على مواد واقعية كثيرة ويحتوي فصل "انتفاضة عبيد الله ونهوض الحركة التحررية" على استنتاجات هامة وهو يسهل الى حد كبير دراستنا حول هذا الموضوع. وفي الواقع ان المؤلف لم يقف على تفاصيل تصوير سير احداث انتفاضة ١٨٨. مباشرة. وعلى المسائل الداخلية للانتفاضة ان هذا لم يدخل في مهمته المباشرة. غير ان البحث العلمي ذاته يترك انطباعات واضحة لدى القارئ عن حجم وطبيعة الانتفاضة. ويحتوي بحث م. س. لازاروف التاريخي "كردستان والقضية الكردية" (٢٣) على استنتاجات هامة حول هذا الموضوع ايضا.
كما أعير انتباه خاص للعلاقات الكردية ــــ الارمنية في كتاب م. ك. نيرسيسيان "النضال التحرري" للشعب الارمني ضد الاستبداد التركي في اعوام ١٨٥. - ١٨٧٠- والصادر باللغة الارمنية. ان المؤلف وللمرة الاولى يعطي تحليلا ماركسيا لدور الجماهير الكردية والاقطاعيين الاكراد في النضال التحرري للشعوب. ويدعم المؤلف صحة استنتاجاته بمواد واقعية جديده من المصادر التاريخية والصحف.
وضع الاكراد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر
الأكراد ينحدرون بأصلهم من القبائل القديمة، التي سكنت غرب المنحدرات الشرقية لجبال طوروس وحتى زغىوس حيث يشمل القسم الغربي منه (زغروس كردستان) (١).
لقد تركت الطبيعة الجبلية للبلاد اثارها الواضحة على تطور الشعب الكردي. فقد كانت السلاسل الجبلية، التي تقطع الوديان الخصبة تعيق تمتين الاتصالات والعلاقات الاقتصادية بين السكان. وفي الوقت ذاته ساعد غنى المروج الجبلية على قيام السكان بتربية المواشي، والتي اصبحت منذ الازمنة الغابرة الحلقة الرئيسية لاقتصاد القسم الاعظم من السكان الاكراد. ففي اشهر الصيف ترحل القبائل مع مواشيها الى المراعي في الجبال العالية وترجع في اواخر الخريف الى مساكنها لقضاء فصل الشتاء. في حين اشتغل سكان المناطق السهلية بالزراعة.
تقدمت الكثير من القبائل الكردية في بداية القرون الوسطى بصورة تدريجية نحو الشمال والغرب بحثا عن مراع جديدة. وكان لتقدمها نحو الشمال اسبابه السياسية ايضا. فبعد معركة جالديران في عام ١٥١٤، والتقسيم الاول لكردستان بين الامبراطورية العثمانية والصفوية الايرانية، وبمساعدة الكردي ملا ادريس ذي النفوس القوي عمد السلطان سليم الاول الى اسكان القبائل الكردية على طول الحدود التركية — الايرانية بدءا من ضفاف نهر اراس وحتى اقصى الجنوب لما بين النهرين وذلك لغرض الحفاظ على امن الحدود الشرقية من ايران.
لقد وصف المؤرخون الاغريقيون والبيزنطيون الاكراد كشعب ذي طبيعة حربية، ومحب للحرية. فان وضعهم المستقل لم يتمكن من تقويضه خلال مئات السنين لا الاغريق - البيزنطيون ولا الاتراك - السلجوقيون ولا التتار - المغوليون الغزاة. وحتى بعد قيام السلطات التركية والايرانية بتقسيم كردستان، فان حكمهما في هذه المنطقة كان شكليا لدرجة ان القباتل الكردية كانت باستطاعتها اجتياز الحدود التركية - الايرانية والحصول على جنسية البلد الاخر. كتب المؤرخ الكردي شرف خان بدليسي : "ان اعظم السلاطين ....
(١) ف. ف. مينورسكي، ملاحظات وانطباعات
إنتفاضة الاكراد 1880
جليلي جليل
ترجمة : سيامند سيرتي
تقديم : صلاح بدر الدين
المقدمة
دار النشر رابطة كاوا – دار الكاتب
مكان الاصدار بيروت
تاريخ الاصدار 1979
عدد الصفحات 132